مفاهيم أولية قبل الزواج 💍

 

كل من نوى و أقبل على الزواج، تُسْتَعْرَضُ أمامه مجموعة من القصص و النماذج الواقعية الفاشلة في زواجها، و كأنه أصبح واقعا مسلّما به، أنه كل زواج في هذا الوقت فهو محكوم عليه بالفشل قبل أن يبدأ، فتجد كلمة الطلاق تتردد على المسامع أكثر من الزواج و ما يرغب فيه، و هذا قد يُثني المقبل على خطوته و قد يؤدي إلى العزوف نهائيا عن الزواج تفاديا لما سيأتي بعد الطلاق. فما السبب أو الأسباب وراء هذا الفشل الذي أصبح يرافق المتزوجين حديثا؟ و كيف يمكن تدارك الأمر؟

(مقتطفات من دورة رخصة القيادة الزوجية للدكتور حامد الإدريسي)

الزواج السعيد


حسب المستشار الأسري و الأستاذ الباحث الدكتور حامد الإدريسي، ففشل الزواج في هذا الزمان راجع إلى "الصراع النموذجي" و انعدام النموذج الحقيقي للحياة الزوجية، حيث أن كلا من الزوج و الزوجة يحمل نموذجا في ذهنه و تصورا لحياته المستقبلية بشتى أنواع الورود و الألوان و الأحلام، حتى إذا ما أتوا الواقع تصادمت نماذجهما و تعارضت توقعاتهما، و هنا يبدأ الصراع من سيفرض نموذجه على الآخر، و هذا الذي لم يكن سابقا. ففي زمن آباءنا و من سبقهم ، كان للزواج نموذجا واضحا معتمدا عند الجميع، و كان كل من الزوج و الزوجة يعرف دوره و مكانته داخل هذه العلاقة. و هنا كان سر النجاح.

فما هو هذا النموذج الذي اعتمدوه؟

1/ اللبنة الأساس من هذا النموذج تكمن في معرفة مفهوم الزواج الحقيقي.

عرّف الدكتور الإدريسي الزواج على أنه: ضرورة إنسانية و ليس مجرد فكرة للاقتناع، و هو علاقة تجمع بين أسرتين عبر شخصين من خلال عقد شرعي -بين الرجل و ولي الزوجة- يبيح لهما الاستمتاع ببعضهما من أجل تحصيل السكن اللازم لبناء أسرة مستقرة تنتج أطفالا صالحين. و هو تعاقد مبني على الحقوق و الواجبات.

ففي البعد الإسلامي، و كذلك في زمن من سبقونا، لم يكن الزواج قط علاقة تربط بين شخصين كما هو معمول به حاليا، فالفتاة لم تُوجد لنفسها و لا الرجل وُجِد لنفسه حتى يقتصر التوافق في الزواج عليهما فقط في استبعاد تام للأهل، لذلك يجب الوعي و الإدراك جيدا قبل الإقبال على هذه الخطوة  أن الزواج قرار يربط بين أسرتين، و هذا يستلزم بالضرورة استحضار كيفية اختيار هاتين الأسرتين من خلال اختيار الزوج و الزوجة، أملاً في تكوين أسرة طيبة صالحة دينا و دنيا؛ لأنه خلال عملية الزواج ينصهر المجتمع بعضه في بعض باختلاف معادنه و أصله؛ و هذا الانصهار، يعطينا فروعا جديدة في شجرة الإنسانية، و لا شك أن كل شخص يسعى أن يكون فرعه طيبا مباركا يسعد به في دنياه و آخرته.

و حيث أن الزواج علاقة تجمع بين أسرتين و ليس شخصين، فهذا يوحي لنا بأن العلاقة الزوجية لها مثبتات تتجاوز الشخص المقبل على الزواج إلى أهله: والديه و إخوته و أعمامه و أخواله. فهؤلاء كلهم لهم حقوق و مسؤوليات تجاه الأبناء، لذا وجب مساهمتهم و مشاركتهم هذا القرار. و سيتم تسليط الضوء على هذه النقطة و فائدتها فيما سيأتي من المواضيع.

2/ أهداف الزواج.

لو سألنا شبابنا اليوم عن هدفهم من الزواج لاقتصروه على المتعة و لأشرطوها بمستوى مادي معين. هذه المتعة أصبحت متوفرة بأيسر الطرق، الشيء الذي دفع بالشباب إلى الاستغناء عن الزواج  و إكفاء نفسه عناء توفير المادة.

لكن أهداف الزواج أسمى من أن تتلخص في المتعة فقط. فإضافة إلى أنه سنة مؤكدة، أنه وسيلة لسعة للرزق، أنه طاعة و تقرب للرحمن، و النجاح فيه هو أهم إنجاز قد يحققه الفرد بين أقرانه، تنقسم أهداف الزواج في النموذج الحقيقي إلى خمسٍ:

     1️⃣ السَّكَن: الشعور بالسكن يستلزم حسن تعامل و حسن معاشرة و حسن إدارة للبيت ... و لتحقيق هذا الهدف، لا بد للزوج أن يقوم بدوره: توفير البيت للسكن و توفير احتياجاته، و لا بد للزوجة أن تقوم بدورها: تجهيز هذا البيت و جعله صالحا للسكن مع الزوج و الأبناء و ترتيبه و إدارته.

     2️⃣ المتعة: غاية يحصل عليها الإنسان من خلال الزواج، و لم ترتبط يوما بالمستوى المادي إلا حديثا. و الدليل، أنه قديما كانوا يتزوجون رغم صعوبة الظروف المعيشية مقارنة مع اليوم، و تحصل المتعة و الراحة النفسية رغم بساطة البيوت و توفرها على أقل الإمكانيات. فإذا بحثنا عن السبب الحقيقي الذي ربط المتعة بالمادة حديثا، نجده أن المرأة اليوم أصبحت متاحة للجميع و بالمجان و بأسهل الطرق و وفرت عن قصد أو بدون قصد بدائل سهلة عن الزواج، بينما بالأمس لم يكن متاحا للرجل الحصول على هذه المتعة و الشهوة إلا من خلال الزواج. لهذا كانوا يقصدونه مباشرة و لم تكن المادة عائقا قط. و هو كذلك اليوم لمن نوى و قصد.

     3️⃣ التحصين: و هو غاية مقرونة بالمتعة، تهدف بالأساس ابتغاء رضوان الله و إغلاق أبواب الشيطان، فالزواج هو أنجع وسيلة مساعدة على العفة و تحصين الفرج و غض البصر.

     4️⃣ إعمار الأرض: هدف محفز جدا على الزواج يكمن في تحقيق الأبناء و الاستمتاع بالنسل.

     5️⃣ تربية جيل صالح: و هي خامس ثمرة من ثمار الزواج. فإنشاء ذرية صالحة بارّة هو أهم إنجاز يحققه و يفتخر به الإنسان في حياته و أفضل نتيجة يمكن الخروج بها من علاقة زوجية ناجحة، و العكس بالعكس، إنشاء أطفال عاقّين لهو أسوء إنجاز يقدمه الفرد مهما كان مستواه الاجتماعي أو العلمي، و هو نتيجة بيّنة لعلاقة زوجية سيئة.

و هنا نأتي و نتساءل عن فكرة لطالما ردّدها شباب اليوم: هل فعلا الزواج مبني على الحب؟

الجواب كما قال الدكتور الإدريسي: لا،.. الزواج مبني على المسؤولية. و الحب نتيجة حتمية إذا التزم كل طرف بدوره و واجباته. قال تعالى: «وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ» لماذا الزواج؟ هو للسكينة، أما المودة و الرحمة فهي نتيجة طبيعية ينشئها الله في قلب الزوجين إذا تحقق السكن و الاستقرار و المعاشرة بالمعروف و غيرها من الحقوق و الواجبات التي يجدها كل طرف في الآخر.

3/ مبدأ الخليفة و سكنه.

هو مبدأ اعتمده الدكتور الإدريسي لتوضيح الرؤية الأولية الشاملة عن الزواج، و هو بمثابة غرس الأوتاد قبل نصب الخيام. فمتى ما تم التوافق على هذا المبدأ و على هذه الأوتاد، ضمِن الزوجان نجاح زواجهما.

فعلى كل مقبل و مقبلة على الزواج حديثا، الوعي جيدا أنهما ليسا مقبلان على صراع من سيفرض رأيه على الآخر،بل على حياة من المفروض أن تكون مسالمة سالمة هنيئة، و حتى ينعما بهذا النعيم و ينجحا في حياتهما، وجب على كل واحد أن يعي بدوره داخل هذه العلاقة الزوجية و أن يلتزم به و لا يتعداه.

ففي النموذج الحقيقي و في منظومة الزواج الإسلامي، الكل خاضع لـ مبدأ: ليس الذكر كالأنثى. الرجل خُلِق لمهام محددة له، ببنية جسدية و فكرية و قلبية تساعده على أداء هذه المهام. و المرأة خلقت ببنية جسدية و عاطفية تساعدها على مهامها التي خُلقت من أجلها.

فالمهام مقسومة منذ أن بدأ الله الخلق، إذ خلق آدم و علّمه و أسجد له ملائكته و كلفه بمهمة الخلافة في الأرض من إعمار و كسب و رزق و إنفاق و رعاية ...، في حين أن حواء خُلقت لتكون سكنا لآدم و ليست منافسة له في مهامه، أعفاها الله من هذه الخلافة رحمة بها و بضعفها و تناسبًا مع طبيعة بنيتها الجسدية، قال تعالى: «هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍۢ وَٰحِدَةٍۢ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا».

و على هذا الأساس وجب أن تبنى العلاقة الزوجية و تثبت الأوتاد. للرجل مهمة: الكسب، ضمان لقمة العيش، الإنفاق، رعاية المرأة و خدمتها، و للمرأة مهمة: السكن و الحمل و الولادة و تربية الأبناء. و بهذا تكون العلاقة مبنية على التكامل و ليس على الصراع و الندية و التنافس تحت شعار المساواة و تحقيق الذات.

تحقيق ذاتك – أختي الكريمة-  يكون في إنشاء ذرية صالحة تفخرين بها و بعلو مكانتها في الدين و العلم. هنا يحق لك أن تفتخري بنفسك و تقولي ها أنذي 🙂 و ها ما قدمته للعالمين، أما الشعارات المزيفة الرائجة اليوم تدفعك للقسوة على نفسك و التمرد على طبيعتك حتى تستغني عن زوجك و عن خدماته لك الواجبة عليه. و لتعلمي أن إنفاقه عليك وااااجب و ليس تكرما منه، و لتعلمي أن طلبك لقدر مالي منه حق لك و ليس إذلالا، فلتسأليه له بكل عزة نفس كلما فرط في هذا الجانب.

و لتعلمي أنك مقبلة على علاقة تكونين فيها ملكة في بيتك مع زوجك، فأكرمي نفسك كما أكرمها الله، لا تنافسي الرجل في مهامه و لا تتنازلي عن مهامك، تربعي على عرش بيتك و عيشي ملكِيَّتك 😉 .

إذاً يمكن القول، أن فشل الزواج اليوم ناتج عن عدم فهم فلسفة تقسيم المهام داخل الأسرة، و ناتج عن الخلط بين طبيعة الرجل و المرأة و المهام التي خلقوا من أجلها.

خلاصة

لكل من تطارده مخاوف الفشل في الزواج، ننصحه بتثبيت هذه المنظومة المتوازنة في ذهنه و اعتماد هذا النموذج الأصيل: استيعاب معنى الزواج - الأهداف الحقيقية التي من أجلها شرع الله الزواج - و الفصل بين مهمة الزوج و مهمة الزوجة داخل البيت و قبل بناء الأسرة. و الله من وراء القصد و هو يهدي إلى سواء السبيل.



هناك 8 تعليقات:

  1. أحسنتي النشر عزيزتي، 👍🏻👍🏻

    ردحذف
  2. ،👏أحسنتي اختي بتوفيق ونجاح

    ردحذف
  3. احسنتي عزيزتي💜لولي

    ردحذف
  4. بالتوفيق اختي العزيزة 🥰🥰🥰🥰💚

    ردحذف
  5. أحسنتي حبيبتي👍🏻

    ردحذف
  6. تحياتي لاناملك وما سطرته عين المنطق بورك فيك .

    ردحذف